هو رجلٌ من كبار الصحابة رضي الله عنهم، ومن المهاجرين الأوّلين، وأحد العشرة المبشّرين بالجنة، اسمه عامر بن عبد الله بن الجراح بن هلال بن أهيب بن ضبّة بن الحارث الفهريّ القرشيّ، كنيته أبو عبيدة، وقد اشتهر بها حتى غلبت على اسمه، ومن أوصافه الخَلقية أنّه كان طويل القامة، نحيل الجسم، خفيف اللحية، معروق الجبين، خفيف العارضين، أهتم الثنيتين، أمّا صفاته الخُلقية فمنها الحلم، والتواضع، وشدّة الحياء،
وحسن الخُلق، وقد كان أبو عبيدة -رضي الله عنه- من السبّاقين إلى الإسلام،
حيث أسلم قبل دخول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى دار الأرقم، ثمّ هاجر
الهجرتين، وشهد مع النبي -عليه الصلاة والسلام- المشاهد كلها، وكان من أحبّ النّاس
إليه، فقد رُوي أن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- سُئلت عن أحب الناس إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: (أبو بكرٍ، قلتُ: ثمَّ من؟ قالت: ثمَّ عمرُ،
قُلت: ثمَّ من؟ قالت: ثمَّ أبو عُبيدة بنُ الجرَّاح، قلتُ: ثمَّ من؟ فسكتت).
فضائل
أبي عبيدة بن الجراح
هو
صحابيٌ جليلٌ، من السابقين الأوّلين إلى الإسلام، وقد وردت العديد من الأحاديث
التي تبيّن عِظم فضله، ويمكن بيان بعض مناقبه فيما يأتي:
· أمين هذه الأمة: حيث يُعرّف الأمين بأنّه الثقة المرضي، وعلى
الرغم من اشتراك الصحابة -رضي الله عنهم- بصفة الأمانة، إلا إنّ رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- خصّ أبا عبيدة -رضي الله عنه- بهذه المنقبة العظيمة، ليُشعره
بقدرٍ زائدٍ فيها على غيره، حيث روى أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- أنّه قال: (إنَّ لكلِّ أمةٍ أميناً، وإنَّ أميننا أيَّتها الأُمَّة
أبو عُبيدة بنُ الجرَّاح). ولمّا قدِم أهل نجران إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم، وهمّوا بالعودة إلى ديارهم، طلبوا منه أن يبعث معهم رجلاً أميناً، فقال عليه
الصلاة والسلام: (لأبعثنَّ إليكُم رجلاً أميناً حقَّ أمينٍ حقَّ أمينٍ)، وعندها
تمنّى كل واحدٍ من الصحابة -رضي الله عنهم- أن يكون هو المبعوث، ولم يكن ذلك حرصاً
منهم على الإمارة، وإنّما رغبةً منهم بوصف رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إن
عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كان من الذين رغبوا في الإمارة في تلك الحادثة، حيث
كان يُري نفسه للنبي عليه الصلاة والسلام، ولكنه تخطّاهم جميعاً، وبعث أبا عبيدة
رضي الله عنه.
· مدح النبي -عليه
الصلاة والسلام- لأبي عبيدة:
من فضائل أبي عبيدة -رضي الله عنه- أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قرنه
بالثناء مع أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما، حيث قال: (نعم الرجل
أبو بكرٍ، نعم الرجل عمر، نعم الرجل أبو عُبيدة بن الجرَّاح).
· شهادة النبي
-عليه الصلاة والسلام- لأبي عبيدة بالجنّة: يُعد أبو عبيدة -رضي الله عنه- من العشرة الذين
بشّرهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالجنة، مصداقاً لما رواه سعيد بن زيد -رضي
الله عنه- عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنّه قال: (عشرةٌ في الجنَّة: أبو بكرٍ
في الجنَّة، وعمرُ في الجنَّة، وعليٌّ وعثمان والزُّبير وطلحة وعبد الرَّحمن وأبو
عُبيدة ...).
· حضوره مع النبي -عليه الصلاة والسلام- في المعارك: شهد أبو عبيدة -رضي الله عنه- مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- معركة بدر، وقاتل فيها قتالاً لا هُوادة فيه حتى إنّه قتل والده في تلك المعركة، فأنزل الله -تعالى- فيه آياتٍ تتلى إلى يوم القيامة، حيث قال عزّ وجلّ: (لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَـئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ). ويوم أُحد كان أبو عبيدة -رضي الله عنه- من القلّة الذين ثبتوا حول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عندما فرّ الناس، ولمّا رُمي -عليه الصلاة والسلام- ودخلت في وجنته حلقتان من المغفر،
أسرع أبوبكر
الصديق -رضي الله عنه- نحوه ليخرجها، ولكن أبو عبيدة -رضي الله عنه- سبقه إلى
النبي عليه الصلاة والسلام، وقال له: "نشدتك بالله يا أبا بكرٍ إلَّا
تركتني"، فتركه، فأخذ أبو عبيدة بثنيّته إحدى حلقتيّ المغفر فخلعها، وسقطت
معها ثنيته، ثمّ أخذ الأخرى فخلعها وسقطت معها ثنيّته الثانية، فكان في الناس أثرم،
ولكن هذه الثرمة جعلت من ثغره أجمل ثغر.
وفاة أبي عبيدة بن الجراح
لمّا حل الطاعون في عمواس، وهي قرية بين الرملة وبيت المقدس، كان أبو عبيدة بن الجراح أمير الجند هناك، فخشي عليه الخليفة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- من الطاعون، فبعث إليه كتاباً قال فيه: "فإنِّي أعزم عليك، إن أتاك مصبحاً، لا تُمسي حتَّى تركب، وإن أتاك مُمسياً أن لا تُصبح حتَّى تركب إليَّ فقَد عرضت لي إليك حاجةٌ لا غنى بي عنك فيها"، وكان أبوعبيدة -رضي الله عنه- رجلاً شديد الذكاء، ففهم قصد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وأنّه يريد إنقاذه من الطاعون،
فكتب إليه متأدّباً معتذراً عن الحضور، وقال: (إنِّي في جندٍ
من المسلمين لن أرغب بنفسي عنهم، وقد عرفتُ حاجة أميرِ المؤمنين، فحللني من عزيمتك)،
ولمّا وصلت الرسالة إلى أمير المؤمنين عمر -رضي الله عنه- بكى، فسأله من حوله من
الصحابة إن كان أبو عبيدة -رضي الله عنه- قد توفّي، فقال: "كأن قد"، أي
إن لم يكن قد مات فإنّه سيموت لا محالة، فلا سبيل لنجاته من الطاعون، وتوفي -رحمه
الله- في العام الثامن عشرة للهجرة، وكان يبلغ من العمر ثمان وخمسين سنة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق