خالد بن الوليد هو ابن المغيرة بن عبد الله بن
عمر بن مخزوم بن يقظة بن كعب، وكنيته أبو سليمان القرشيّ المخزوميّ، وهو ابن أخت
أمّ المؤمنين ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها، وهو من الصَّحابة الكِرام الذين
لَمَعَ اسمهم في الغزوات وذُكِرت آثار صولاتهم وجولاتهم، وفي هذه المقالة حديث عن
أبرز صفاته وأخلاقه ألا وهي الشجاعة.
الصّفات الخُلُقيَّة
· اتّصف خالد بن
الوليد رضي الله عنه بالفروسيّة والكرم؛ نتيجة تأثّره بالبيئة التي كان يعيش فيها،
وقد عُدّ من فرسان قريش المشهورين، كما اتّصف بالحنكة وحُسن القيادة والتّفكير
العميق، فلم يكن يتّخذ قراراته إلّا بعد تفكير وتبصيرٍ، وكان فصيحاً أيضاً،
بالإضافة إلى الإيثار وحبّ التّضحية والفداء، والشّجاعة الكبيرة وخاصّةً في الجهاد
والقتال، والمهارة وخفّة الحركة في الكرّ والفرّ. وكان لخالد بن الوليد من العلم
حظٌّ لا بأس به على الرّغم من أنّه لا يُقارن بمن سبقه من الصّحابة؛ نتيجة
احتكاكهم الأكبر مع الرّسول صلّى الله عليه وسلّم، وبقائهم معه فترةً أطول.
· الصفات
الخَلقيَّة اتّصف خالد بن
الوليد بالملامح الحادّة، وغزارة الشّعر، وطول القامة، والبشرة الحنطيّة، كما أنّه
كان قويَّ البنية والجسد حسبَ ما رُوِي عنه في معركة مؤتةَ من أنّ تسعة أسيافٍ
كُسِرت بيده أثناء قتاله. وقد كان خالدٌ كثيرَ الشّبه بعمرَ بن الخطّاب رضي الله
عنه، حتّى أنّ النّاس كانوا يخلطون بينهما ويحدِّثون وليداً على أنّه عمر بن
الخطّاب، وهذا يدلّ على مقدار الشّبه الكبير بينهما في المشية وهيئة الجسم.
شجاعة خالد بن الوليد
تعدُّ الشجاعة من الأخلاق الحميدة التي تزيد
المتحلِّي بها رفعةً ومكانةً، والشجاعة في اللغة من الجذر اللغوي شَجَعَ، فالشين
والجيم والعين أصلٌ صحيحٌ واحدٌ دالٌّ على الجرأة والإقدام، والشجاعة هي الشِّدَّة
عند البأس، أمَّا الشجاعة في الاصطلاح فهي كما عرَّفها الراغب الأصفهاني: صرامة
القلب على الأهوال، وربط الجأش في المخاوف.
· وإنَّ من أبرز
صفات خالد بن الوليد -رضي الله عنه- وما كان يُضرَب به المثل في شخصيَّته من
أخلاقٍ ما تحلَّى به من شجاعة، وما اشتُهر به من قوّة وحِنكة عسكريّة وحربيّة، وقد
شهدت له شواهد كثيرة وأحداث عديدة على تحلِّيه بهذا الخُلق وتمكُّنه في نفسه، ومن
هذه الشواهد ما يأتي:
·
شجاعة خالد بن الوليد -رضي
الله عنه- في غزوة مؤتة:
حدثت غزوة مؤتة في السنة الثامنة للهجرة، حيث استُشهِد قادة المعركة، وهم: زيد بن
حارثة، وجعفر بن أبي طالب، وعبد الله بن رواحة رضي الله عنهم، فاستلم الراية خالد
بن الوليد رضي الله عنه، وكان جيش المسلمين حينئذٍ في حالٍ حرجٍ أمام جيش الروم
المُكوَّن من مئة ألف مقاتل، فقدَّر خالد بن الوليد -رضي الله عنه- الموقف، ووازن
مصلحة المسلمين العامَّة، وقرأ المشهد بحِنكة القائد العسكريّ الفذّ، وانسحب بجيش
المسلمين بطريقة تكتيكية مناسبة لوضع المسلمين، وبأقلّ الخسائر المُمكنة.
·
شجاعة خالد بن الوليد -رضي
الله عنه- في فتوحات العراق: كانت شجاعة خالد بن
الوليد -رضي الله عنه- سبباً في اختياره من قِبل الخليفة أبي بكر الصّديق -رضي
الله عنهما- ليكون قائد أحد الجيوش المتَّجهة إلى فتح العراق، فقد أرسله إلى جنوب
العراق ففتح منطقة الحيرة، وساند بعدها الجيوش الأخرى الموجودة في مناطق أخرى من
العراق.
شجاعة خالد بن الوليد في معركة اليرموك:
اتَّجهت أنظار أبي بكر الصدّيق خليفة المسلمين -رضي الله عنه- إلى فتح بلاد الشام،
فسيّر الجيوش لفتحها، وكان خالد بن الوليد -رضي الله عنه- في العراق، فأرسل إليه
أبو بكر يطلب منه التوجُّه إلى بلاد الشام بعد أن علموا أنَّ الروم قد أعدّوا
جيشاً ضخماً لقتال المسلمين، وحضر خالد بن الوليد -رضي الله عنه- مع جماعة من
الجند الذين كانوا معه في العراق، وكانت المعركة قرب نهر اليرموك وتمركزت جيوش
المسلمين هناك، وبدأ خالد بن الوليد -رضي الله عنه- يرتِّب للحرب، فوضع بحِنكته
البالغة خطَّةً محكمةً، فلم يُرهبه عدد جند الروم أو يُثنِه عن التخطيط للقتال،
وحثِّ الجنود وتشجيعهم وبثّ الحماسة فيهم، فقسّم الجيش إلى عدّة أقسام، هي: ميمنة،
وميسرة، وقلب، وعيَّن على كلّ قسم قائداً، فاختار أبا عبيدة بن الجراح وعمراً بن
العاص ويزيد بن أبي سفيان رضي الله عنهم، وقد قاتل خالد بن الوليد -رضي الله عنه
وجيش المسلمين قتالاً باسلاً حتّى كانت الغلبة والسيطرة بعد أيّامٍ للمسلمين ورجحت
كفّتهم، وقُتِل الآلاف من الروم، وأُسر الآلاف منهم أيضاً.
تعريفٌ
بخالد بن الوليد
إسلامه، وحياته:
· الإسلام: لم يكن خالد بن الوليد -رضي الله عنه- من
السَّابقين الأوّلين الذين أسلموا في مكَّة المكرَّمة، بل أسلم بعد الهجرة إلى
المدينة المنوَّرة، وكان ذلك في شهر صفر من السنة الثامنة للهجرة، قبل فتح مكّة
المكرّمة، وخالد بن الوليد -رضي الله عنه- رغم إسلامه المتأخّر نسبيّاً مقارنةً
بغيره من الصّحابة -رضي الله عنهم- كان ذا حياةٍ حافلةٍ بالإنجازات العظيمة
والأعمال القيِّمة؛ فقد شارك في العديد من الغزوات في حياة النبي صلّى الله عليه
وسلّم، مثل: غزوة مؤتة، وفتح مكَّة، وغزوة حُنين، وكان قائداً ومقاتلاً في الحروب
والفتوحات بعد وفاة النبي -صلّى الله عليه وسلّم- في عهد الخلفاء الراشدين رضي
الله عنهم، منها حروب المُرتدّين في عهد أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه، وقد أمَّره
على الجُند المتَّجهين لفتح دمشق برفقة أبي عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنه،
وقد كان خالد بن الوليد -رضي الله عنه- مُقلَّاً في رِواية الحديث عن النبيّ صلّى
الله عليه وسلّم.
·
اللقب: نظراً لِما كان من
خالد بن الوليد -رضي الله عنه- من شجاعةٍ عظيمةٍ وبسالةٍ معهودةٍ لقَّبه النبيّ
-صلّى الله عليه وسلّم- بسيف الله، وقال له أبو بكر الصدّيق -رضي الله عنه- عندما
سلّمه لواء الجيش لقتال المُرتدّين: (إنّي سمعت رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-
يقول: نِعْمَ عبد الله وأخو العشيرة خالد بن الوليد، سيف من سيوف الله، سلَّه الله
على الكُفّار والمُنافِقين).
·
الوفاة تُوفِّي خالدٌ في حمصَ
في 18 من رمضان عام 21هـ الموافق 20 من أغسطس عام 642م، على فراشه على الرّغم من
كثرة المعارك والغزوات التي خاضها، وكان يتمنّى دائماً أن يستشهد في أرض القتال
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق