أبو هريرة الصحابيُّ الجليل، والمُحدِّث، والإمام
الفقيه، وأحد قُرَّاء الحجاز، وُلد في السنة التَّاسعة عشر قبل الهجرة، وعُرف
بملازمته للرَّسول صلى الله عليه وسلم، وحفظه الكثير من الأحاديث وروايتها عنه،
وقد عَهِدَ إليه النبي -صلى الله عليه وسلم- القيام ببعض المهام؛ كحفظ أموال زكاة
رمضان، وإرساله مؤذِّناً إلى البحرين مع والي البحرين العلاء بن الحضرمي.
اسمه
وكنيته هو أبو هريرة
الدَّوسيُّ اليَمانِيُّ عبد الرَحمن بن صخر، نُسب إلى دوسٍ بن عدنان من قبيلة
الأزد، وهي من أعظم وأشهر قبائل العرب، والتي تُنسب إلى الأزد بن الغوث من العرب
القَحطانية، وقد اخْتُلف في اسمه واسم أبيه على أقوالٍ كثيرةٍ، أرجحها: عبد
الرَّحمن بن صخر، وقيل اسمه عبد الرحمن بن غنم، وقيل: كان اسمه عبد شمس وعبد الله،
وقيل: سَكِين، وقيل: عامر، وقيل: سعيد، وغير ذلك، وقد كان اسمه في الجاهليَّة عبد
شمس وكُنيته أبو الأسود، فلمَّا أسلم سمَّاه الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- عبد
الله، وكنَّاه بأبي هريرة. أمّا كُنيَته التي اشتُهر بها فهي أبو هريرة، وقد
أُطلقت عليه هذه الكُنية بسبب هِرَّة برِيّةٍ وجدها فأخذها في كُمِّه، وقيل إنه كان
يرعى غنماً لأهله، فكانت له هريرةٌ يأخذها معه ويلعب بها، ويضعها عند حلول الليل
في شجرة، فكنَّاه أهله بها، وقد كان النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- يدعوه أبا
هِرٍّ.
إسلامه وهجرته إلى المدينة أسلم أبو هريرة بين الحُديبية وخيبر، وقَدم
المدينة مهاجراً في السنة السابعة للهجرة، وكان إسلامه على يد الصَّحابي
الطُّفيل بن عمروٍ الدُّوسي؛ فلمَّا أسلم الطُّفيل دعا قومه فأسلموا، ومنهم أبو
هريرة، وقد هاجرا معاً إلى المدينة المنورة ليلتقيا بالرَّسول -صلَّى الله عليه
وسلَّم- ويعلنا إسلامهما. وقد كان له غلامٌ عبدٌ فأعتقه بعد إسلامه بين يدي النبي
صلى الله عليه وسلم، وقد لازم أبو هريرة النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى وفاته،
ونذر نفسه لخدمته وخدمة آل بيته، وكان يرافقه ليلاً ونهاراً، ويدخل بيته، ويَحجُّ
معه ويغزو معه، ويدور معه في حِلّه وترحاله حتى تلقّى عنه غزير العلم الشريف. ولما
قدم أبو هريرة المدينة سكن الصُّفَّة فكان من أهلها، ولازم الرسول -صلى الله عليه
وسلم- ملازمةً تامةً، وقد تحمَّل الجوع في كثير من الأحيان خشية أن يفوته شيءٌ من
حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أبو هريرة من عُبَّاد الصحابة؛ فكان يُكثر
من الصلاة والصيام والذِّكر وقيام الليل، وكان هو وامرأته وخادمه يتعقَّبون الليل
فيصلّي كلُّ واحدٍ منهم ثُلُثاً ثم يوقظ الآخر، وذُكر عنه أنّه كان يُسبِّح في
اليوم اثنتي عشرة ألف تسبيحةٍ، ويقول: أُسبِّح بقدر ذنبي، كما كان يصوم يومي
الاثنين والخميس لأنّهما يومان تُرفع فيهما الأعمال إلى الله.
علمه وحفظه كان أبو هريرة وعاءً من أوعية العلم، وإماماً
كبيراً من كبار أئمَّة الفتوى، وكان مرجع الصحابة في الإسناد؛ حيث زادت مرويَّاته
عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على خمسة آلافٍ وثلاث مئة حديثٍ، بعضها حفظها
مباشرةً عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ورواها عنه، وبعضها الآخر رواها عنه
بواسطة بعض الصحابة كأبي بكرٍ، وعمر، وأُبَيَّ بن كعبٍ رضي الله عنهم، وقد كان أبو
هريرة في بداية إسلامه ينسى ما يحفظ من الأحاديث، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه
وسلم، فدعا له فنال ببركة دعائه هذه الدرجة في الحفظ وعدم النِّسيان؛ حيث روى
البخاريُّ في صحيحه عن أبي هريرة أنّه قال: (قُلتُ: يا رسول اللَّه، إنِّي أسمع
منك حديثاً كثيراً أنساه؟ قال: ابسُط رِداءك فبسطتهُ، قال: فغرف بيديهِ، ثُمَّ
قال: ضُمهُ فَضممتهُ، فما نسيتُ شيئاً بعدهُ). وعُرف أبو هريرة بأنّه أحفظ الصحابة
للحديث النبوي ومن أكثرهم روايةً له، وذلك لملازمته النبي -صلى الله عليه وسلم-
خلال سنواتٍ قليلةٍ من لقائه به والتي تُقَدَّر بأربع سنوات؛ فقد كان يلازم النبي
-صلى الله عليه وسلم- على شبع بطنه ويدور معه حيثما دار حتى تُوفّي رسول الله صلى
الله عليه وسلم، وكان أثر ذلك أن حضر من مجالس النبي -صلى الله عليه وسلم- ما لم
يحضره سائر الصحابة، واطَّلع على ما لم يطَّلعوا عليه؛ لاشتغال المهاجرين
بالتِّجارة والأنصار بحوائجهم، وقد شهد له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بحرصه
على العلم والحديث، وبجراءته في سؤال النبي -صلى الله عليه وسلم- عن أشياء لا يسأل
عنها غيره؛ فقد أخرج البخاريُّ في صحيحه أنَّ أبا هريرة سأل النبي -صلَّى الله
عليه وسلَّم- عن أسعد الناس بشفاعته يوم القيامة، فأجابه النبي صلى الله عليه
وسلم: (لقَد ظننت يا أبا هُريرة أن لا يسألُني عن هذا الحديث أحدٌ أوَّلُ منك لما
رأيت من حرصك على الحديث).وقد شهد له الصحابة والتَّابعون بحفظه وعلمه، كما كان
السابقون من الصحابة كعمرٍ وعثمان وعليٍّ وطلحة والزبير يسألونه عن الحديث،
لمعرفتهم ملازمته للنبي صلى الله عليه وسلم،وقال له ابن عمر: (يا أبا هُرَيرَةَ
كُنتَ ألْزَمَنا لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأعْلَمَنا بحَديثِه)، وقد
روى عن أبي هريرةَ حوالي ثمانمئة رجلٍ من الصحابة والتابعين وغيرهم، كما روى عنه
أصحاب الكتب الستة، وهم؛ الإمام البخاري، ومسلمٌ، والنسائيُّ، وأبو داود،
والترمذيُّ، وابن ماجه، وكذلك الإمام أحمد بن حنبل في مسنده، ومالك بن أنس في
مُوطّئه.
وفاة أبي هريرة لما اقترب أجلُ أبي هريرة أصابته حُمَّى شديدة،
وكان الصَّحابة يعودونه ويدعون له بالشفاء، لكنّه كان يتطلّع إلى لقاء ربِّه، وكان
يحرص على النَّاس وينصحهم، ويأمرهم بالمعروف، ويحذّرهم من الإقبال على الدُّنيا
وهو على فراش الموت، وقد أوصى أبو هريرة حين حضره الموت، فقال: (لا تضربوا عليّ
فسطاطًا ولا تتبعوني بمجمرةٍ وأسرِعوا بي). توفّي أبو هريرة في المدينة المنوَّرة،
وكان قد بلغ من العمر ثمانيةً وسبعين سنة، وذلك في السَّنة السابعة والخمسين
للهجرة، وهو الراجح، وقيل: سنة ثمانٍ وخمسين، وقيل: سنة تسعٍ وخمسين، وقيل غير
ذلك، وقد دُفن في منطقة البقيع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق